فضل سورة القارعة
تكثر الأحاديث التي تدل على فضل سورة القارعة ومدى أهميتها في حياة المسلم ومن أبرز هذه الأحاديث:
وردت بعض الأحاديث التي تدل على فضل سورة القارعة ومكانتها مثل الحديث الذي حسّنه ابن حجر العسقلاني: ” شَيَّبَتْنِي سورةُ ( هودٍ ) وأخواتُها ( الواقِعَةُ ) و ( القارِعَةُ ) و ( الحاقَّةُ ) و ( إذَا الشَّمْسُ كوِّرَتْ ) و ( سألَ سائِلٌ). (( الراوي : وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : تخريج مشكاة المصابيح، الصفحة أو الرقم: 5/74 | خلاصة حكم المحدث : [حسن كما قال في المقدمة] ))
ومما يدل على استحباب قرائتها في الصلاة ما رواه أنس بن مالك رضى الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قرأَ في المغربِ { القَارِعَةُ }. (( الراوي : أنس بن مالك | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : نتائج الأفكار، الصفحة أو الرقم: 1/457 | خلاصة حكم المحدث : الراوي له عن ثابت عباد بن كثير الثقفي البصري، وهو ضعيف ))
كما أن هناك الكثير من الأحاديث الموضوعة التي تتعلق بسورة القارعة مثل ما ورد عن أبي بن كعب عن النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ حيث قال” من قرأَ سورةَ القارعةِ ثقَّلَ اللَّهُ ميزانَهُ”. (( الراوي : أبي بن كعب | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الكافي الشاف، الصفحة أو الرقم: 323 | خلاصة حكم المحدث : موضوع ))
وتعتبر سورة القارعة من أكثر السور تأثيرًا على الصحابة بدليل جاء في الحديث عن أنس بن مالك: فَقَد رسول الله رَجُلًا مِنَ الأنصارِ، فسَألَ عنه في اليَومِ الثَّالثِ فقال: كيف تَجِدُكَ؟ قال: لا يَدخُلُ شَيْءٌ في رأسي إلَّا خَرَج مِن دُبُري! قال: ومِمَّ ذاكَ؟ قال: يا رسولَ اللهِ، مَرَرْتُ بكَ وأنتَ تُصَلِّي المَغربَ، فصَلَّيْتُ معكَ وأنتَ تَقرَأُ هذهِ السُّورةَ: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة: 1، 2] إلى آخِرِها، فقُلْتُ: اللَّهُمَّ ما كان لي مِن ذَنْبٍ أنتَ مُعَذِّبي عليه في الآخِرَةِ فعَجِّلْ لي عُقوبَتَهُ في الدُّنيا، فتَراني كما تَرَى! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لَبِئْسَمَا قُلْتَ! ألَا سألْتَ اللهَ تعالى أنْ يُؤْتِيَكَ في الدُّنيا حسنةً، وفي الآخِرَةِ حسنةً، وأنْ يَقِيَكَ عذابَ القبرِ؟ قال: فأَمَرَهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فدَعَا بذلكَ، ودَعَا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. قال: فقام كأنَّما نُشِطَ مِن عِقَالٍ. (( الراوي : أنس بن مالك | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : المطالب العالية، الصفحة أو الرقم: 3/95 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
وممّا تجدر الإشارة إليه كجزءٍ من فضل سورة القارعة هو أهميتها في تهذيب النفوس وتجهيزها ليومٍ عصيبٍ من خلال ذِكر أوصاف النار والتي تقشعر لها الأبدان، فقد قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن نار جهنم: “اشتَكَتِ النارُ إلى ربها؛ فقالتْ: ربِّ أكلَ بعضي بعضًا؛ فأذِنَ لها بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشتاءِ ونَفَسٍ في الصيفِ فأشدُّ ما تجدونَ من الحرِّ، وأشدُّ ما تجدون من الزَّمْهَرِيرِ”. (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 3260 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
وتكون النجاة من النار بالابتعاد عن فعل وقول كل ما يُغضب الله تعالى والعمل على زيادة الحسنات، وهي سببٌ في ترجيح كفة الميزان لصالح العبد
مقاصد سورة القارعة
للحديث عن مقاصد سورة القارعة، لا بدّ من التغلغل بين ثناياها، تتحدّث سورة القارعة عن أهوال يوم القيامة، ومدى شدّتها وقساوتها، وخروج النّاس فيها من قبورهم، وانتشارهم كالحشرات المتطايرة في كلّ مكان، وكأنهم يتحرّكون على غير هدى، وتبدأ مقاصد سورة القارعة بلفت الانتباه إلى أحد الأسماء المرعبة، “القارعة” وهو اسم من أسماء يوم القيامة: ” القارعة” اليوم الذي يقرعُ القلوب، ويخيفها بعد قرعه للأسماع، وذلك عند النّفْخ في الصّور، كما قال – تعالى -: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}.
ومن مقاصد سورة القارعة تكرار اسم السورة مع الاستفهام، {مَا الْقَارِعَةُ}، ولكن للتّعظيم والتفخيم لا للاستفسار لأنّ الله -سبحانه- يعلم الجواب، وهذه من أساليب القرآن في التّربية ولفت النظر.
وفي قوله تعالى {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} أي: أيّ شيء أخبرك عن هذه القارعة؟ أي: ما أعظمها! وما أشدّها من حادثة!. قال -تعالى- {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}، أي: كالحشرات الكثيرة المنتشرة حول شعلة نار في ليلة ظلماء، {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ}، بينما الجبال تكون كالقطن أوالصّوف الذي نفشته الأيدي.
ومن مقاصد سورة القارعة أنّ الله سبحانه وتعالى قد بيّن للعباد مصير كلٍّ منهم، من خلال ميزان العدالة الإلهي، فسيوزعون إلى قسمين: سعيد وشقيّ، فأمّا السّعداء فيقول الله عنهم: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}، أي: من رجحت أعماله الصّالحة فهو في نجاة من عذاب الله، وأمّا الأشقياء فقال الله -تعالى- عنهم: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}، وأمّا من قلّت أعماله الصّالحة، وكثرت أعماله الطّالحة، سهيوي في نار جهنّم، ويعذّب فيها ما شاء الله، ومنهم من يخلّد في نار جهنّم.
ومن المقاصد أيضًا استخدام أسلوب الاستفهام للتّغظيم والتّفخيم للنّار التي سيعذّب فيها المجرمون: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ}، ومن خلال هذا التّخويف من هول يوم القيامة، فإنّه ينبغي على المؤمن أن يقيَ نفسه من عذاب ذلك اليوم، وهذه الوقاية إنّما تكون بفِعْل الخيرات، ولو بأقلّ القليل؛ لقول النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: “..فاتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ”.
تأملات في سورة القارعة
يذكر الدكتور فاضل صالح السامرائي في لمساته البيانية التي استقصاها من آيات الكتاب الحكيم بعض ما جاء من تأملات في سورة القارعة، ومما ذكره الدكتور من تأملات في سورة القارعة هو المقصود في قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}.
يتساءل المرء عن سبب الإتيان بكلمة “أمُّهُ” في هذا الموضع، ولا شكَّ في أنَّ حكمة الله بالغة وعلمه وسع كلَّ شيء؛ لذلك يقول الدكتور فاضل السامرائي إنَّ استخدام كلمة الأم في الآية السابقة دليل على المأوى، أي أنَّ مأواه النار، ستحيط به النار كما تحيط الأم بولدها تمامًا، وهذا تشبيه قرآني عظيم فيه من التهكم والجد ما فيه، فتناقض المعنى بين الأمن الذي هو الأم وبين العذاب التي هي الهاوية، وكأنَّ الآية تشير إلى أنَّ من خفّتْ موازين أعماله فأمنه النار وعذابه النار ومصيره إلى الهاوية التي هي نار حامية.
اقرأ أيضًا:
المصادر: