نزلَت سورة النازعات على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة قبل هجرته إلى المدينة المنورة، وتقع في ترتيب المصحف الشريف في الجزء الثلاثين تسبقها سورة النبأ وتليها سورة عبس، ويعود سبب تسميتها إلى أنّ الله -جلّ وعلا- أقسم بالنازعات في مطلعها وذلك بقوله: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا}، ويُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فضل سورة النازعات.
فضل سورة النازعات
أرجح أقوال أهل التفسير أنّه لم يرد في فضل سورة النازعات شيءٌ يذكر في أمهات كتب الحديث والتفسير الصحيحة، وأن فضل سورة النازعات كفضل غيرها من سُور القرآن الكريم وأجرها في التلاوة؛ فالحرف بحسنةٍ والحسنة بعشرة أمثالها.
ورد في فضل سورة النازعات”أتى ابنَ مسعودٍ رجلٌ فقال: إني أقرأُ المُفصَّلَ في ركعةٍ فقال أهذًّا كهذَّ الشِّعرِ ونثْرًا كنثرِ الدَّقلِ لكنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- كان يقرأُ النظائرَ السورتَينِ في ركعةٍ : النَّجْمُ والرَّحْمَنُ في ركعةٍ، واقْتَرَبَتْ والْحَاقَّةُ في ركعةٍ، والطُّورِ والذَّارِيَاتْ في ركعةٍ، وإِذَا وَقَعَتِ في ركعةٍ، وسَأَلَ سَائِلٌ والنَّازِعَاتِ في ركعةٍ، ووَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وعَبَسَ في ركعةٍ، والْمُدَّثِّرُ والْمُزَّمِّلُ في ركعةٍ، وهَلْ أَتَى ولاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ في ركعةٍ، وعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ والْمُرْسَلَاتِ في ركعةٍ، والدُّخَانُ وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ في ركعةٍ”. (( الراوي : علقمة والأسود | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود، الصفحة أو الرقم: 1396 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
إضافةً إلى فضلها العظيم فيما جاءت به من عبر وعظات، فقد جاءت آيات سورة النازعات بكلام بليغٍ وعبارات عظيمةِ الدقَّة حاملةً معها الكثير من الأدلة والبراهين والحجج العقلية والعلمية والمنطقية ردًّا حاسمًا لا ريبَ فيه على كلِّ من ينكرُ قدرة الله -سبحانه وتعالى- في خلقه، وعلى كلِّ من ينكرُ أنَّ الله تعالى قادرٌ على إعادة خلقَ الإنسان كما خلقه أول مرة، وهؤلاء هم الضالُّون الذين يجادلون بغير هدىً ولا كتابٍ منيرٍ، والله غالبٌ على أمره ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون.
مضامين سورة النازعات
المحور الرئيس الذي دارت حولَه آيات سورة النازعات هو مآل كلٍّ من المجرمين من الكفار والمشركين ومن خالف ما أمر الله به ومآل المتقين المؤمنين يوم القيامة مع ذِكرٍ لأهوال يوم القيامة وشدائد ذلك اليوم العصيب، كما تضمنت السورة:
- القسم بالملائكة مع ذِكرٍ لمهامهم في الملأ الأعلى.
- الإتيان على واحدةٍ من القصص لأخذ العبرة وهي قصة موسى -عليه السلام- مع فرعون.
- الحديث عن طغيان مشركي قريشٍ، وأنّهم أضعف بكثيرٍ من المخلوقات التي خلقها الله سبحانه في السماوات والأرض.
- الحديث عن وقت الساعة ذلك التوقيت الذي حيّر المشركين، وبيان أنْ ليس من مَهامّ الرسول تحديد ذلك الوقت إنما الإنذار من وقوع تلك الساعة وكيفية الاستعداد لها.
تأملات في سورة النازعات
اختصّ بعض أهل العلم في كشف اللمسات البيانية في آيات القرآن الكريم والإعجاز البيانيّ فيها، وكان من بين ما ورد من تأملات في سورة النازعات ما جاء من لمساتٍ بيانيةٍ في قوله تعالى: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ}، إذ يُلاحظ في القرآن الكريم تكرار لفظ “أبصارهم خاشعة” ولكن بصيغٍ اختلفت، فتارةً يقول -سبحانه وتعالى-: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ}، كما في سورة القمر، وتارةً يقول -جلّ وعلا-: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ}، كما في سورة المعارج مما يطرح تساؤلًا عن الفرق بينها وعن سبب ذكرها بهذا الاختلاف.
وقد أجاب الدكتور فاضل صالح السامرائي عن هذا التساؤل أثناء حديثه فيما جاء من تأملات في سورة النازعات فقال بأنّ الاختلاف بينها يكون بحسب مناسبتها ومكان وجودها في الآية، فالخشوع هو الانكسار والذلة ويكون للإنسان عمومًا وللقلوب وللأبصار والوجوه.
فأمّا عند قوله تعالى “خشّعًا أبصارهم” فقد قصد بها صيغة المبالغة من الخشوع والتي هي على وزن “فُعّلًا” وهو يفيد المبالغة والتكثير، وذلك نتيجة لهول ما سيراه الناس من أهوال يوم القيامة فتكون أبصارهم شديدة الخشوع والتركيز لما سيلقونه من الثواب أو العقاب، أمّا عند قوله “أبصارهم خاشعة” فهي جاءت بمثابة الإخبار وسرد القصة ولم تكن لوصف حدثٍ عظيم، فلم تقتضِ الحاجة إلى جعل صيغة المبالغة فيها، بل أتت على صيغة اسم الفاعل من فعل “خَشَعَ” وغايتها الإخبار فهي مبتدأٌ وخبر، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: