فضل سورة المزمل
يكمُنُ فضل سورة المزمل كفضلِ بقيَّة سورِ القرآن الكريم، ففي قراءتِها كما في قراءةِ القرآن الكريمِ كلِّه للمسلمِ فيها أجرٌ كبير وفضل عظيم لا يعلمه إلا الله تعالى، كما ورد في الحديث الشريفِ المشهورِ الذي قالَ فيه رَسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “من قرَأ حَرفًا من كِتابِ اللهِ فلَه به حسَنةٌ، والحَسنةُ بعشْرِ أمثالِها، لا أقولُ “ألم” حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ”. (( الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب، الصفحة أو الرقم: 2/296 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] ))
سُئلت السيدة عائشة: أخبِريني عن خُلقِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالت: ألسْتَ تقرَأُ القرآنَ ؟ قُلْتُ: بلى قالت: خُلُقُ نبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان القرآنَ قال: فهمَمْتُ أنْ أقومَ ولا أسأَلَها عن شيءٍ فقُلْتُ: يا أمَّ المؤمنينَ أنبِئيني عن قيامِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالت: ألسْتَ تقرَأُ هذه السُّورةَ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}؟ قُلْتُ: بلى قالت: فإنَّ اللهَ جلَّ وعلا افترَض القيامَ في أوَّلِ هذه السُّورةِ فقام نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه حَولًا حتَّى انتفخَت أقدامُهم وأمسَك اللهُ خاتمتَها اثنَيْ عشَرَ شهرًا في السَّماءِ ثمَّ أنزَل اللهُ جلَّ وعلا التَّخفيفَ في آخِرِ هذه السُّورةِ فصار قيامُ اللَّيلِ تطوُّعًا بعدَ فريضتِه. (( الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 2551 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه ))
وفضلُها أيضًا في تطبيقِ ما جاءت به من أحكام سنَّها الله تعالى للمسلمين في كتابه العظيم، فلا فضلَ في قراءة القرآن دون عملٍ بما جاء به من أحكام وقواعد تكفلُ السلامةَ والنَّجاةَ والرَّاحةَ للإنسانِ في دُنياه وآخرتِه، كما وردت العديد من الآثار التي تتحدث عن فضل هذه السورة في أنها تحمل النصر لقارئها أينما ذهب وتمنع الخلاف بين الزوجين وتساعد على حدوث الحمل، ولكن كل هذه الآثار لم تثبت في حديث نبويّ.
سبب نزول سورة المزمل
رُوي في سبب نزول سورة المزمل عن عبد الله بن مسعود أنه قال: اجتَمَعَتْ قُرَيشٌ في دارِ النَّدوةِ فذكَروا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال بعضُهم ساحرٌ قالوا ليس بساحرٍ وقال بعضُهم كاهنٌ قالوا ليس بكاهنٍ وقال بعضُهم مجنونٌ قالوا ليس بمجنونٍ قالوا يُفرِّقُ بَيْنَ الحبيبِ وحبيبِه فصدَر المُشرِكونَ على ذلكَ فبلَغ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فزُمِّل في ثيابِه ودُثِّر فأنزَل اللهُ عزَّ وجلَّ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}. (( الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : الطبراني | المصدر : المعجم الأوسط، الصفحة أو الرقم: 2/319 | خلاصة حكم المحدث : حسن الإسناد ))
مضامين سورة المزمل
سمَّيت بالمزمِّل نسبةً للنداء الذي توجَّهت به السورة إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من بابِ التلطُّف والمؤانسة، والمزَّمل هو المتغطِّي بثيابه.
بيَّنَت السورةُ في بدايتِها بعضَ الأوامرِ التي كلفَّها الله تعالى لنبيِّه، وأوضحَت أن الدعوةَ تحتاجُ إلى جهدٍ عظيم وبذلٍ وتضحياتٍ كبيرةٍ في سبيل الله من السهرِ والتعَّب وقيامِ الليل وقراءة القرآن الكريم وذِكرِ الله تعالى، قال تعالى: “يا أيُّهَا المزَّمِّلُ * قمِ اللَّيلَ إلَّا قلِيلًا * نصفَهُ أوِ انقُصْ منْهُ قلِيلًا * أوْ زدْ علَيْهِ ورَتِّلِ القُرآنَ ترْتِيلًا”.
حثَّت السورة على التوكُّل على الله تعالى والصبرِ على أذى المُشركين، قال تعالى: “واصبِرْ علَى ما يقُولُونَ واهجُرْهُمْ هجْرًا جمِيلًا”، ثم هدَّدت الكافرين المكذِّبينَ بعذابٍ شَديدٍ كما حلَّ بِقوم موسى -عليه السلام- الذين كذبوه فأغرقَهم الله في الدُّنيا ولهم في الآخرةِ عذابٌ أليم.
خُتمَت السورةُ بتخفيفِ قيامِ الليل الذي كان مفروضًا على المؤمنينَ لمدَّةِ سنة كاملةٍ، وأمرَت المسلمين بإقامةِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ والإنفاقِ في وجوه الخير جميعها، قال تعالى: “إنَّ ربَّكَ يعلَمُ أنَّكَ تقومُ أدنَى منْ ثلُثَيِ اللَّيلِ ونِصْفَهُ وثُلُثهُ وطائِفَةٌ منَ الَّذينَ معَكَ واللَّهُ يقدِّرُ اللَّيلَ والنَّهارَ علِمَ أنْ لنْ تحْصُوهُ فتَابَ علَيْكمْ فاقرَءُوا ما تيَسَّرَ منَ القُرآنِ علِمَ أنْ سيَكُونُ منْكُمْ مرضَى وآخرُونَ يضرِبُونَ في الأَرضِ يَبتغُونَ منْ فضْلِ اللَّهِ وآخرُونَ يقَاتِلُونَ في سبِيلِ اللَّهِ فَاقرءُوا ما تيَسَّرَ منْهُ وأَقِيمُوا الصَّلَاة وآتُوا الزَّكاةَ وأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرضًا حسَنًا ومَا تقَدِّمُوا لِأنْفُسِكُمْ منْ خيْرٍ تجِدُوهُ عنْدَ اللَّهِ هوَ خيْرًا وأَعْظَمَ أجْرًا واستَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غفُورٌ رحِيمٌ”.
اقرأ أيضًا:
المصادر: