تعدّ سورة نوح من السور المكية في القرآن الكريم، وتتكوّن من ثمانٍ وعشرين آيةً، وقد سمّيت بسورة نوح؛ لذكرها قصة نوح -عليه السلام-، وأنّ الله -عزّ وجلّ- أغرقهم بالطُّوفان، بعد أن دعاهم نوح -عليه السلام- لعبادة الله -تعالى- وحده، وعدم الإشراك به، فلم يمتثلوا أمره، ويستعرض موقع معلومات في هذا المقال فضل سورة نوح وفوائدها.
فضل سورة نوح
لم ترِدْ في فضل سورة نوح أحاديث خاصَّة بالسورة عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلم- بل إنَّ كلَّ ما رود عبارة عن أحاديث موضوعةٍ لا أصلَ لها، وإنَّما فضل سورة نوح كفضلِ بقيَّة سورِ القرآن الكريم، ففي قراءتِها كما في قراءةِ القرآن الكريمِ كلِّه للمسلمِ فيها أجرٌ كبير وفضل عظيم لا يعلمه إلا الله تعالى.
كما ورد في الحديث الشريفِ المشهورِ الذي قالَ فيه رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “من قرَأ حَرفًا من كِتابِ اللهِ فلَه به حسَنةٌ، والحَسنةُ بعشْرِ أمثالِها، لا أقولُ “ألم” حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ”. (( الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : ابن باز | المصدر : مجموع فتاوى ابن باز، الصفحة أو الرقم: 26/13 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن ))
ويتمثل فضل سورة نوح أيضًا في تطبيقِ ما جاءت به من أحكام سنَّها الله تعالى للمسلمين في كتابه العظيم، كالحثِّ على الاستغفار والتوبة إلى الله تعالى دائمًا، فلا فضلَ في قراءة القرآن دون عملٍ بما جاء به من أحكام وقواعد تكفلُ السلامةَ والنَّجاةَ والطمأنينة لِلإنسانِ في الدُّنيا والآخِرة.
قال الله تعالى على لسان نبيِّ الله نوح -عليه السلام- وهو ينصحُ قومَه: “فقُلتُ استَغفِرُوا ربَّكُمْ إنَّهُ كانَ غفَّارًا * يُرسِلِ السَّماءَ علَيكُمْ مدرَارًا * وَيمْدِدْكُمْ بأَموَالٍ وبَنِينَ ويَجعَلْ لكُمْ جنَّاتٍ ويَجعَلْ لكُمْ أنهَارًا”.
قال الشوكانيُّ في فتحِ القدير: “فقلتُ استغفِرُوا ربَّكم إنَّهُ كانَ غفَّارا” أيْ: سلُوه المغفرةَ من ذنوبِكُم بإخلاصِ النيَّات، إنَّه كانَ غفَّارا أيْ: كثيرُ المغفرةِ للمُذنبينَ. وقيلَ عن معنى “استغفروا” أي: توبوا عن الكفرِ إنَّه كان غفَّارا للتائبين؛ ونتيجةً لهذا الاستغفارِ والمداومةِ عليه يرسلُ اللهُ -سبحانه وتعالى- عليكم السماءَ بأمطارِ الخيرِ والرحمةِ، ويمدُّكم بأموالٍ وبنينَ ويكثرُها لكُم ويجعل لكم بساتينَ وأنهارًا عذبةً جاريةً، وهذا دليلٌ على أنَّ الاستغفارَ من أسبابِ جلب المطرِ والرزقِ بكلِّ ألوانِه.
ورد في الأثر عن الإمام الصادق أنه قال: «من أدمن قراءتها ليلا أو نهارا لم يمت حتّى يرى مقعده في الجنّة ، وإذا قرئت في وقت طلب حاجة قضيت بإذن اللّه تعالى».
فوائد من سورة نوح
إنّ المتأمل في سورة نوح وما تضمّنته قصّته مع قومه يتمكّن من الوقوف على دروس كثيرة وعبر جليلة، ومنها:
- اتّفاق الأنبياء -عليهم السلام- جميعهم من نوح، وصولاً إلى محمدٍ في دعوتهم إلى توحيد الله -تعالى- وعبادته وعدم الإشراك به.
- تجنُّب اتّباع كُلّ من يقود إلى الضلال، حتّى إن كان ذا سلطةٍ ومكانةٍ؛ إذ لا يُنجّي من العذاب إلّا اتّباع الحقّ.
- الحرص على تقوى الله -عزّ وجلّ- وكثرة استغفاره؛ إذ إنّهُما من الأسباب المُوجبة لسعة الرزق، ونَيل البركة فيه.
- التأمُّل والتفكُّر في قدرة الله -تعالى-؛ من مراحل خلقه للإنسان، وكيفيّة خلق السماوات، والأرض، والشمس، والقمر، وتسخيرها للبشريّة.
- الأدب في الدعوة؛ فقد لجأ النبيّ نوح -عليه السلام- إلى جميع الأساليب في دعوته لقومه؛ فدعاهم في كُلّ وقتٍ؛ ليلاً، ونهاراً، مُتَّخِذاً كُلّ الأسباب في دعوتهم؛ حيث صبر عليهم، وحاورهم بالرفق واللين، ورغّبهم في سِعة الأرزاق، وكثرة الأولاد والأموال، ودلّل على ذلك بالآيات، وأقام لهم الحُجج والبراهين، وحذّرهم من عدم الإيمان برسالته.
- الصبر في الدعوة؛ فقد صبر نوح -عليه السلام- في دعوته لقومه؛ إذ استمرّ يدعوهم تسعمئة وخمسين عاماً، وممّا يلزم الصبر عدم استعجال النتائج، وعدم اليأس، أو القنوط من الدعوة.
- ضرورة الاستعانة بالله -سبحانه- واللجوء إليه في الأحوال جميعها.
خصائص دعوة نوح
برزت عدّة سماتٍ لدعوة نوح -عليه السلام- في السورة المُسمّاة باسمه، يُذكَر منها:
- الخاصّية الأولى: كان نبيّ الله نوحاً -عليه السلام- ثابتاً شجاعاً لا يُثنيه عن الحقّ صدودُ قومه، وغيّهم، واستكبارهم؛ فقد كان حكيماً عاقلاً، يُوازن في إبداء رأيه في كُلّ حينٍ بما ينفع قومه، ولا يخاف في الله لومة لائمٍ، ويسعى لبيان الحقّ والدعوة إليه، ويعدهم بكرم الله وفضله إنْ هم استغفروا وتابوا، ولا يُعرض عنهم مهما لقيَ من ردّة فعلهم.
- الخاصّية الثانية: برز اجتهاد نوح -عليه السلام- في دعوة قومه من خلال تعدّد الأساليب؛ من ترهيبٍ، وترغيبٍ، وتدبّرٍ، وحكمةٍ، ووعظٍ، وإرشادٍ، وبيانٍ لِنِعَم الله -سبحانه- عليهم، وقد مارس نوح تلك الأساليب في أوقاتٍ عدّةٍ، فلم يَفتُر ليلاً أو نهاراً، بل دعاهم في شتّى الأوقات، قال -تعالى- مُبيِّناً ذلك: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا).
- الخاصّية الثالثة: إنّ المُتأمّل لدعوة نوح -عليه السلام- يجد أنّ نوحاً لم ينشغل بالناس دون الأقربين من قومه؛ فها هو يشملهم في دعائه في آخر السورة، فقد دعا لنفسه، ولوالديه، ولعامّة المؤمنين والمؤمنات، فلم يُصب بالملل والضجر رغم مرور كُلّ تلك السنين، ورغم قلّة مَن آمن معه، قال الله -تعالى- على لسان نبيّه: (رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا).
اقرأ أيضًا:
المصادر: