فئة الشباب هي عماد المجتمع الإسلامي، فكما نعلم أن الشباب هي فئة القوة والنشاط، كما أنها الفئة المشرقة في المجتمع والتي تبحث عن الإستقرار والراحة، وإن صلحت هذه الفئة صلح المجتمع بأكمله، أما إذا لم تصلح هذه الفنئة، كان المجتمع مريضاً مهزوزاً، ولذلك كان من بين السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله “شاب نشأ في طاعة الله”.
شاب نشأ في طاعة الله
عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (سبعةٌ يظلُّهم الله – تعالى – في ظلِّه، يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمامٌ عَدْلٌ، وشابٌّ نَشَأَ في طاعة الله، ورجلٌ معلَّقٌ قلبُه في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله؛ اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجلٌ دَعَتْهُ امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شِماله ما تُنفِقَ يمينُه، ورجلٌ ذَكَرَ الله خاليًا ففاضَتْ عيناه)
نقف في هذا المقال وقفاتٍ يسيرة مع قوله – صلى الله عليه وسلم -: (شابٌّ نشأ في طاعة اللهِ).
فهذا الشاب وفَّقَهُ الله منذ نَشأ للأعمال الصالحة، وحبَّبها إليه، وكَرَّه إليه الأعمال السيئة، وأعانه على تركها: إما بسبب تربية صالحة، أو رِفْقة طيبة، أو غير ذلك؛ وقد حفظه الله ممَّا نشأ عليه كثيرٌ من الشباب من اللهو واللَّعب، وإضاعة الصلوات، والانهماك في الشهوات والملذَّات، وقد أثنى الله على هذا النشء المبارك بقوله: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾. (( الكهف: 13 ))
ولما كان الشباب داعيًا قويًّا للشهوات، كان من أعجب الأمور الشاب الذي يُلزِم نفسَه بالطاعة والاجتهاد فيها، واستحقَّ بذلك أن يكون من السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه.
لقد علم أنه مسؤولٌ عن شبابه فيما أبلاه، فعمل بوصية نبيِّه محمد – صلى الله عليه وسلم – التي أوصى بها؛ حيث قال: (اغْتَنِم خمسًا قبل خَمْسٍ: شبابَك قبل هَرَمِكَ، وفراغَك قبل شغلك، وحياتَك قبل موتك، وصحتَك قبل سقمك، وغِنَاك قبل فَقْرك). (( الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب، الصفحة أو الرقم: 4/203 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما ))
وعن ابن مسعود – رضي الله عنه -: أن النبي – صَلَّى الله عليه وسلم – قال: (لا تزول قَدَما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمسٍ: عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما عَلِم). (( الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم: 7299 | خلاصة حكم المحدث : حسن ))
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (إذا مات ابن آدمَ انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صَدَقَةٍ جارية، أو عِلْمٍ يُنتفع به، أو وَلَدٍ صالحٍ يدعو له). (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن باز | المصدر : مجموع فتاوى ابن باز، الصفحة أو الرقم: 340/4 | خلاصة حكم المحدث : ثابت ))
أمثلة على شباب نشأوا في طاعة الله
هناك العديد من الأمثلة على الشباب الملتزِم بطاعة ربه من شباب الصحابة؛ أمثال: أسامة بن زيد، الذي أرسله النبي – صلى الله عليه وسلم – لقيادة جيش المسلمين المتَّجِه إلى الشام، وعمره لم يتجاوز السابعة عشر، وفي القوم كِبَارُ الصحابة، حتى إن أبا بكر كان يستأذن أسامة بن زيد أن يُبقيَ عمر عنده في المدينة، فيأذن أسامة في ذلك.
كما أن عليًا بن أبي طالب واحدًا من أبرز الأمثلة، حيث بات في فراش النبي – صلى الله عليه وسلم – عندما هاجر إلى المدينة، وعَرَّضَ نفسه للقتل فداءً للنبي – صلى الله عليه وسلم – وجعفر بن أبي طالب الذي كان قائدًا لجيش المسلمين في معركة مُؤْتَة الشهيرة خَلَفًا للقائد زيد بن حارثة – رضي الله عنه – الذي قُتِل في تلك المعركة، فحَمَل راية المسلمين وأخذ سيفه، فقطعوا يده اليمنى، فأمسك الراية بيده اليسرى، فقطعوا يده اليسرى، فضم الراية إلى صدره، فتكاثروا عليه فقتلوه.
يقول عبدالله بن عمر: “التمسنا جعفر بن أبي طالب في القتلى، فإذا هو قد ضُرِب بضعًا وتسعين ضربة، ما بين ضربةٍ بسيفٍ، وطعنةٍ برمح”، فينطبق على مثل هؤلاء الشباب قوله تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (( الأحزاب: 23 ))
ومن الأمثلة كذلك: محمد بن القاسم، الذي فتح بلاد السند والهند وعمره لم يتجاوز السابعة عشر؛ كما تروي لنا كتب السير.
وفي عصرنا الحالي يوجد نماذج مضيئة مثل الشباب الذين يَمْلؤُون المساجد والمدارس والجامعات، يطلبون العلم الشرعي، ويدعون إلى دين الله، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويلتحقون بحلقات تحفيظ القرآن الكريم، وهذا شيء يُثلِج الصدر، وأمَّتنا لا يزال فيها الخير إلى يوم القيامة.
اقرأ أيضًا:
سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله
المصادر: