لا تتبعوا خطوات الشيطان
خلّص الله الإنسان بتشريع شريعة الاسلام، حيث بين فيها الحلال والحرام، وبينهما أمور مشتبهات؛ وهذه المشتبهات هي الطريق في خطوات الشيطان، والوقوع في الحرام لا يكون مرةً واحدةً، إنّما يكون خطوة تتبعها خطوة، حيث لا يشعر الإنسان بنفسه ما لم يراجع نفسه مليًا، ويستعرض موقع معلومات كل ما يتعلق بقوله تعالى ” لا تتبعوا خطوات الشيطان”.
لا تتبعوا خطوات الشيطان
قد جاء ذكر خطوات الشيطان في أربعة مواضع من كتاب الله تعالى كلها بصيغة النهي عن اتباعها [لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ]، وهذه المواضع الأربعة حسب ترتيبها في المصحف هي:
الموضعان الأول والثالث في سياق ذكر الطعام؛ قال الله تعالى [يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ] (( البقرة:168 )) وقال تعالى [كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ] (( الأنعام:142 ))
الموضع الثاني في سياق الأمر بأخذ شرائع الإسلام كلها [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ] (( البقرة:208 ))
الموضع الرابع في سياق النهي عن الفواحش [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ] (( النور:21 ))
معنى خطوات الشيطان
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ( خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) : عمله
وقال عكرمة: نـزغاته. وقال قتادة: كل معصية فهي من خطوات الشيطان.
وقال أبو مِجْلَز: النذور في المعاصي من خطوات الشيطان.
وقال مسروق: سأل رجل ابن مسعود فقال: إني حرمت أن آكل طعامًا؟ فقال: هذا من
نـزعات الشيطان، كَفِّر عن يمينك، وكُل.
وقال الشعبي في رجل نَذَر ذَبْح ولده: هذا من نـزغات الشيطان، وأفتاه أن يذبح كبشًا.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا حسان بن عبد الله المصري، حدثنا السريّ بن يحيى، عن سليمان التيمي، عن أبي رافع قال: غضبت عليَّ امرأتي فقالت: هي يومًا يهودية، ويومًا نصرانية، وكل مملوك لها حر، إن لم تطلق امرأتك. فأتيت عبد الله بن عمر فقال: إنما هذه من نـزغات الشيطان. وكذلك قالت زينب بنت أم سلمة، وهي يومئذ أفقه امرأة بالمدينة، وأتيت عاصم بن عمر، فقال مثل ذلك.
ونتخذ من الآية الكريمة في حياتنا العصرية أن نتجنب الفاحشة من القول من “ألفاظ بذيئة” والعمل “الزنا ، الافعال المشينة” والبعد عن المنكر باساليبه المختلفة وتتمثل في الغيبة والنميمة، وألا نُضيع وقتنا فيما لا يُفيد مثل عدم استثمار الوقت في تحصيل العلوم حيث يُضيع الشباب أعمارهم في مشاهدة الأفلام غير الهادفة أو المحتوى الإباحي.
تأملات في قوله “لا تتبعوا خطوات الشيطان”
المتأمل للموضوعات التي تناولتها الآيات الأربع يجد أن خطوات الشيطان للانحراف بالإنسان أظهر فيها من غيرها؛ وذلك على النحو التالي:
أولًا: أن شهوات البطن والفرج هي أكثر شيء يغزو الشيطان به بني آدم، وطريقة الشيطان في استدراج بني آدم إلى معاصي البطون والفروج هي أخذهم إليها بالتدرج خطوة خطوة حتى يصل الآدمي للمعصية الكبرى؛ ولذا حذر الله تعالى من اتباع خطوات الشيطان.
ثانيًا: أن شهوة ملئ الجوف بالطعام تتكرر أكثر من شهوة الفرج، والمرء يصبر على ترك النكاح ما لا يصبر على فقد الطعام والشراب، فمظنة الوقوع في إثم إشباع الجوف بالمحرم أكثر من مظنة الوقوع في إثم إشباع الفرج بالحرام؛ ولذا كان التحذير في القرآن من خطوات الشيطان في شهوات ملئ الجوف على الضِعف منها في الفرج.
ثالثًا: من الثابت شرعاً وطباً وتجربة أن نوع الأكل يؤثر في طبع الآكل وأخلاقه كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْخُيَلاَءُ وَالْفَخْرُ في أَهْلِ الْخَيْلِ وَالإِبِلِ وَالسَّكِينَةُ في أَهْلِ الْغَنَمِ»
رابعًا: أن خطوات الشيطان مع الإنسان فيما يتعلق بالطعام لها مسلكان:
تزيين الكسب المحرم بحيث يصير ما يشترى به الطعام مالا محرما، وهو الأكثر شيوعا في المسلمين؛ فإن المال يغري الناس، وقد يكون الدافع للكسب المحرم خوف الفقر والجوع؛ وهذا الهاجس من الشيطان أيضا [الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالفَحْشَاءِ] (( البقرة:268 )) والملاحظ كثرة الساقطين في خطوات الشيطان فيما يتعلق بالمكاسب الخبيثة.
تزيين المحرمات من الأطعمة كالخنزير والميتة ونحوها، وهذا أقل وقوعا من الذي قبله؛ لأن المحرمات من الأطعمة خبائث تنفر منها الطباع السوية؛ ولأن في المباحات الطيبة الكثيرة غنية عنها، فلا يظفر الشيطان في هذا المجال إلا بالقليل من المسلمين، ولا سيما من يعيشون بين ظهراني المشركين ويتأثرون بهم، أو يتثاقلون في البحث عن الطعام الطيب فيتساهلون في المشتبه ثم المحرم.
خامسًا: أن الله تعالى ذم أهل الكتاب في اتباعهم خطوت الشيطان في الكسب والطعام؛ وذلك أنهم تحايلوا على إباحة المحرم.
سادسًا: ليست خطوات الشيطان مقتصرة على إباحة المحرم فقط، بل تكون كذلك في تحريم الحلال من الطعام، وقد عاب الله تعالى على المشركين ذلك فقال سبحانه [وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ] (( الأنعام:138 ))
سابعًا: أن النهي عن اتباع خطوات الشيطان معلل بعلل جاءت في قول الله تعالى [إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ] (( البقرة:169 )) وفي قوله تعالى [فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ] (( النور:21 ))
ثامنًا: أن من اتبع خطوات الشيطان في الترخيص للناس وإرضائهم؛ فإنه سينتهي به المطاف إلى إباحة المحرمات، وإسقاط الواجبات؛ وذلك أن الله تعالى لما أمر بالدخول في الإسلام كافة، وأخذ الشرائع كلها؛ نهى عن اتباع خطوات الشيطان، لأن الشيطان يريد صد الناس عن الأخذ بالشرائع كلها.
تاسعًا: يلاحظ تذييل ثلاث آيات من آيات النهي عن اتباع خطوات الشيطان الأربع ببيان عداوته، وتأكيدها بمؤكدات [إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ] (( البقرة:168 )) ومعنى المبين: الظاهر العداوة من أبان الذي هو بمعنى (بان) وليس من أبان الذي همزته للتعدية بمعنى أظهر؛ لأن الشيطان لا يُظهر لنا العداوة بل يلبس لنا وسوسته في لباس النصيحة أو جلب الملائم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: