أسباب نزول سورة عبس

نزل جبريل -عليه السَّلام- بسورة عبس بعد سورة النجم، وتبدأ سورة عبس بفعل ماض، حيث يقول الله تعالى في مطلعها: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ}،وهي من السور القرآنية التي لم يرد في آياتها لفظ الجلالة أبدًا، ويستعرض هذا المقال أسباب نزول سورة عبس.

أسباب نزول سورة عبس

أسباب نزول سورة عبس

يرجع سبب نزول سورة عبس إلى  الحادثة التي تتعلق بالصحابي الجليل الأعمى عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه- الذي جاء إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ذات مرَّة يسترشده ويسأله في أمور الدين، فعبس رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- في وجه عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه- فقد كان عند رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- رجل من عظماء سادة المشركين، فكان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُعرض عن عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه- ويميل إلى الرجل المشرك يحاول إرشاده إلى الدين، واستمالته إلى الإيمان.

وبسبب هذه الحادثة نزلَ عتاب الله -سبحانه وتعالى- في سورة عبس لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بسبب إعراضه عن الصحابي الجليل عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه-، قال تعالى في سورة عبس: {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ}.

كلا-إنها-تذكرة

وقد جاءت قصة سبب نزول سورة عبس فيما روته السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: “أُنزِلتْ {عَبَسَ وَتَوَلَّى} في ابنِ أمِّ مكتومٍ الأعمى، قالت: أتى النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فجعَل يقولُ: يا نبيَّ اللهِ أرشِدْني؟ قالت: وعندَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- رجُلٌ مِن عُظماءِ المشركينَ، فجعَل النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُعرِضُ عنه ويُقبِلُ على الآخَرِ، فقال النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: يا فلانُ أترى بما أقولُ بأسًا، فيقولُ: لا، فنزَلت: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [1]

هل سورة عبس مكية أم مدنية؟

سورة عبس من السور المكية، أي من السور التي أنزلها الله -سبحانه وتعالى- على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قبل الهجرة، وهي من سور المفصل، يبلغ عدد آياتها اثنان وأربعون آية، وسورة عبس هي السورة الثمانون في ترتيب سور المصحف الشريف؛ فهي تقع في الجزء الثلاثين والحزب التاسع والخمسين في القرآن الكريم.

سبب تسمية سورة عبس

تجدر الإشارة إلى أنَّ هناك الكثير من سور القرآن الكريم تُسمَّى بأسماء وجدت في مطالع هذه السور، كسورة الواقعة والقارعة والملك وغيرها، وتسمَّى سور أخرى بأسماء القصص التي تناولتها في محكم آياتها، مثل سورة البقرة وسورة آل عمران، أمَّا فيما يخصُّ سورة عبس فقد سُمِّيت بهذا الاسم لأنَّها افتُتحت به، قال تعالى في مطلع هذه السورة: {عبس وتولَّى}.

قال الخفاجي إنَّ هذه السور تُسمَّى سورة الصاخَّة، لورود هذا الاسم في قوله تعالى في إحدى آياتها: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ}، وسُمَِّيت سورة السَفرة، قال تعالى في آياتها: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}، وسُمِّيت أيضًا سورة الأعمى، والله أعلم.

تأملات في سورة عبس

تأملات في سورة عبس

بعد ما جاء تفصيل في سبب نزول سورة عبس، إنَّ في سورة عبس لمسةً بيانيةً مشتركة مع سورة المعارج، يسلِّط عليها الضوء الدكتور فاضل صالح السامرائي، ففي سورة عبس يقول الله -سبحانه وتعالى-: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}.

في هذه الآيات المباركات، يتحدث الله -سبحانه وتعالى- عن حال الإنسان عند قيام الساعة، الإنسان الذي يفرُّ من أخيه وأمه وأبيه وزوجته وأولاده، فعند قيام الساعة يكون لكلِّ إنسان شأنه وهمُّه الذي يكفيه، بينما يقول الله تعالى في سورة المعارج: {يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ}، في هذه الآيات الكريمة، يتحدَّث الله تعالى عن مصير المجرم الذي يتمنى لو أنَّه يستطيع أن يفتدي منه بأولاده وزوجته وأخواته وإخوانه وعشيرته وكلُّ من في الأرض من الناس.

إنَّ اللمسة البيانية العظيمة التي تحدَّث عنها الدكتور السامرائي هي أنَّ الإنسان يوم القيامة سيفرُّ من كلِّ الناس حتَّى من أمِّه وأبيه كما ورد في سورة عبس، بينما المجرم لا يجرؤ أن يفتدي نفسه بأمِهِ وأبيه، لعلمه أن هذا الفعل سيغضب الله ،الذي أمره في دنياه ببرهّما والإحسان إليهما فكيف يأتي بمثل هذا الفعل في موقف عظيم فيغضب الله -عزّ وجل -؟ وهذه لمسة بيانية لغوية عظيمة، تدل على بلاغة القرآن تصبُّ في صالح القرآن الكريم المعجز في وجه كلِّ مشكك حاقد، يصيد في الماء العكر، يظن بكتاب الله الظنون.

اقرأ أيضًا:

أسباب نزول سورة المعارج

أسباب نزول سورة النجم

المصادر:

مصدر 1

مصدر 2

مصدر 3

المراجع
  1. الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 535 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط مسلم []

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *