امتدَّ العهد العثمانيُّ لمدّة أربعة قرون، تراوح فيها العثمانيّون بين القوّة والضّعف، وتميّز تاريخ الاردن في العهد العثماني بفترة ركود عامٍّ؛ لأنَّ العثمانيين اهتموا أساسًا بالأردنِّ لأهمّيّته على طريق الحجِّ إلى مكّة المكرّمة، ولذلك بنوا القلاع الصّحراويّة (قصر ضبعة، والقطرانة وقلعة الحسا)؛ لحماية الحجّاج من القبائل الصّحراويّة، وتزويدهم بمصادر الطّعام والماء، ولكنّ الإدارة العثمانيّة في الأردن امتازت بالضّعف، ولم تستطِع السيطرة بفعاليّة على القبائل البدويّة وعلى مدار الحكم العثمانيِّ تمَّ التّخلّي عن العديد من المدن والقُرى.
وضع الاردن في العهد العثماني
من السّمات البارزة عن تاريخ الاردن في العهد العثماني أنَّ الزّراعة انخفضت بشكل ملحوظ، كما أنَّ العائلات والقبائل انتقلت بشكل متكرِّر من قرية إلى أخرى، ولكنَّ البدوَ ظلّوا أسياد الصّحراء، واستمرّوا في العيش كما كان حالهُم منذ مئات السّنين، واستمرَّ عدد السّكّان في الانخفاض حتّى أواخر القرن التّاسع عشر، برغمِ استقبال الاردن في العهد العثماني عدّة موجات من المهاجرين من سوريا وفلسطين، الذين هربوا من الإفراط في فرض الضّرائب والخلافات، في حين أنَّ المسلمين الشّركس والشّيشان فرّوا من الاضطهاد الرّوسيّ للاستقرار في الأردنِّ، وسوريا، والعراق، وتركيا.
الخَدَمات في الاردن خلال العهد العثماني
شَهِدَ الاردن في العهد العثماني إهمالًا عامًّا في تطوير البنية التّحتيّة في الأردن، وكان ما تمَّ بناؤه عادةً ذو اتّجاه دينيّ محدّد؛ على سبيل المثال، تمَّ بناء القلاع مثل القطرانة لحماية طُرُق الحجِّ، في حين تمَّ بناء معظم المدارس والمستشفيات والحمّامات والآبار ودور الأيتام، وبالطّبع المساجد، لمراعاة وظيفة دينيّة معيّنة، وكان أهمَّ تطوُّر للبنية التّحتيّة في تاريخ الاردن في العهد العثماني هو سكّة الحجاز من دمشق إلى المدينة المنوّرة، التي بُنِيَت في عام 1908، وصُمّمت أصلًا لنقل الحجّاج إلى مكّة المكرّمة، ولم يتمَّ إكمال الامتداد من المدينة المنوّرة، وكان خطُّ سكّة الحديد أيضًا أداة مفيدة لنقل الجيوش والإمدادات العثمانيّة إلى القلب العربيّ، وبسبب هذا، تعرّضت لهجوم متكرّر خلال الثّورة العربيّة الكبرى في الحرب العالميّة الأولى.
الإصلاحات التّشريعيّة في الاردن في العهد العثماني
خلال فترة التّنظيمات العثمانيّة (1839- 1876)، كانت هناك محاولة لفرض تشريعات جديدة على بلاد الشّام، وأشارت دراسات حول تاريخ الاردن في العهد العثماني أنَّ الإصلاحات تضمّنت قانون الأراضي الجديد في عام 1858، وتشريعات جديدة بشأن المقاطعات، والتي تمَّ إقرارها في عام 1864 وعُدِّلت في 1869 و1871، وبعد عام 1894، نقل الحاكم العثمانيُّ العاصمة من معان إلى الكرك، وجَعَلت إعادة التّنظيم الإقليميّ لفلسطين وشرق الأردنِّ في الجزء الثّاني من القرن التّاسع عشر وأوائل القرن العشرين، من معان والكرك مركزين إقليميين مهمّين على طريق الحجِّ الأكبر.
الإصلاحات الأخرى في العهد العثمانيّ
تميّز تاريخ الاردن في العهد العثماني بسياسات تعليميّة جديدة تتلاءم مع أجندة الإصلاح؛ لإعادة تأكيد السّلطة العثمانيّة في المناطق الجنوبيّة من بلاد الشّام، وشملت الاستراتيجيّة التّعليميّة للعثمانيين إنشاء مدارس ومناهج جديدة، تهدِف إلى نشرِ القيم المشتركة للولاء للحُكمِ العثمانيّ من خلال إنشاء نخبة محلّيّة مخلِصة، ورافق ذلك تعيين الدّعاة المسلمين وتوزيع نسخ من القرآن الكريم؛ لإصلاح وتوحيد الممارسات الدّينيّة المحلّيّة، كما أنَّ الاردن في العهد العثماني حظِيَ بحماية أضرحة الصّحابة، مثلًا قامت الإدارة العثمانيّة بتجديد ضريح جعفر بن أبي طالب في عام 1906، ووفقًا لمصادر عثمانيّة من تلك الحقبة، كانت البنية التّحتيّة الدّينيّة غير كافية في شرقيِّ الأردن، لذلك بُنِيَت مساجد جديدة.
سبب انهيار الحكم العثمانيّ
من أجل التّعرُّف على دوافع قيام الثّورة العربيّة الكبرى، يجب فِهمُ السّياسات التي اتبعتها الإمبراطوريّة العثمانيّة في السّنوات التي سَبقت الحرب العالميّة الأولى، فبعد الانقلاب التّركيِّ عام 1908، تخلَّى العثمانيون عن التّعدديّة والنّزعة الإسلاميّة، وبدلًا من اتّباع سياسة القوميّة التّركيّة العلمانيّة، بدأت الإمبراطوريّة العثمانيّة العالميّة والمتسامحة سابقًا في التّمييز ضدَّ سكّانها غير الأتراك، وواجه العرب بشكل خاصٍّ الاضّطهاد السّياسيّ والثّقافيّ واللّغويّ، وفي عام 1914 أيّد الأتراك الحظر المفروض على الاستخدام الرّسميّ للّغة العربيّة وتدريسها في المدارس، بينما اعتقلوا العديد من الشّخصيّات القوميّة العربيّة في دمشق وبيروت، ونتيجة لذلك في حزيران 1916، قام الشّريف الحُسين بن علي بالثّورة العربيّة الكُبرى ضدَّ الأتراك.
الزّراعة في الاردن في العهد العثماني
تميّزت الفترة بين عاميِّ 1882 و1887 من تاريخ الاردن في العهد العثماني بالاتّجاه إلى زراعة محاصيل الحبوب، التي كانت مربحة للغاية، وذلك نتيجة تمكُّنِ لجنة حوران الخاصّة بالأراضي من إنشاء سجلِّ أرض شامل لمقاطعة عجلون في منطقة البلقاء، وتمَّ تحويل المنطقة الجماعيّة التي كانت تحت سيطرة القبائل البدويّة، إلى مُلكيَّة خاصّة، وأدّى السّجلُّ العقاريُّ الجديد إلى ظهور العديد من القرى الزّراعيّة بين عمّان والكرك، وكانت هناك زيادة كبيرة في الإنتاج الزّراعيّ، وفي عام 1901، كانت منطقة عجلون واحدة من أكثر المناطق إنتاجيّة في منطقة حوران.
المراجع