تحدّثت سورة فاطر عن معاندة الكافرين لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- واستكبارهم وإعراضهم ودعاويهم الباطلة، ويهتم الكثير من المسلمين بالتعرف على معاني آيات سورة فاطر وبخاصة معنى آية ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله وما يُستفاد منها من ثمرات بالغة الفائدة.
معنى آية ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله
إنّ معنى آية ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله أي أنّ هؤلاء قد استكبروا عن اتباع آيات الله، ومكروا بالناس من خلال صدّهم عن سبيل الله القويم، ولكنّ مكرهم هذا سيعود وبالًا عليهم دون غيرهم، ثمّ تأتي بقية الآية الكريمة لتبيّن أنّ هؤلاء لا ينتظرون سوى عقوبة الله لهم على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره، فهذا لا تغيّر ولا تبدّل فيه، وهو جارٍ في كل مكذّب، ولا يستطيع أحد أن يكشف عذاب الله عن نفسه أو غيره.
وقد جاءت هذه الآية من سورة فاطر وهي الآية رقم 43 منها بعد إخبار الله تعالى عن الكافرين بأنّهم أقسموا إذا جاءهم نذير سوف يؤمنوا برسالته وسيكونون من أهدى الأمم، ولكن عندما دعاهم رسول الله للحق استكبروا وأعرضوا وحاربوه بشتّى أنواع المحاربة، فقسمهم هذا ليس إلّا استكبارًا على الخلق فقد أرادوا به المكر والخداع، ولكنّ مكرهم هذا سيحيق بهم ويدمرّهم فالمكر السيئ لا يحيق إلّا بأهله، وسنّة الله في الماكرين ماضية وطريقته في عقابهم لن تتبدّل أو تتحوّل.
وقد قال الإمام الطبري عند تفسيره لهذه الآية الكريمة، أنّ الكفّار نفروا في الأرض تكبرّا وجبروتًا وخديعةً سيئة، وذلك أنّهم عمدوا إلى صدِّ ضعفاء الناس عن الدخول في دين الإسلام واتباع النبي، ومعنى المكر في هذه الآية أي: الشرك.
وقال قتادة أنّ “مكر السيئ”، هو الشرك، وقد أُضيف السيئ إلى المكر من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، كقول “حق اليقين”، ومعنى “لا يحيق المكر السيئ إلّا بأهله”، أي أنّ مكروه المكر لا يحل ولا يقع إلّا على أهله وأصحابه الذين مكروه.
أمّا قوله تعالى: “فهل ينظرون إلّا سنّة الأولين”، أي: فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قوم النبي محمد إلّا أن تأتيهم سنّة الله في عاجل الدنيا فيقع بهم العقاب الأليم بسبب كفرهم وشركهم، فسنّة الله أن يوقع العذاب بمكذبي رسله من الأمم السابقة، وهذا لا يتغيّر لأنّ الله إذا قضى أمرًا فلا مردّ لقضائه سبحانه.
وقال ابن عاشور أنّ المكر هو إخفاء الأذى، وهو سيئ لأنّه منافٍ للأخلاق الكريمة، فوصفه بالسيئ وصف كاشف وملازم له، ومكرهم هذا كان بالرسول وأتباعه فهم يقابلون من أراد صلاحهم ونفعهم بضرّه وإضمار الشر له، ومعنى يحيق: أي ينزل بالإنسان شيءٌ مكروه ويُحيط به إحاطة سوء من جميع الجهات فلا يقع أثره إلّا على صاحبه.
أمّا عن “ال التعريف” في كلمة المكر فقد تكون للجنس أو للعهد، فإذا كانت للجنس فيكون المراد كل ماكر وكل مكر فيدخل فيه جميع من أراد بالمسلمين سوءًا من الكفّار والمشركين.
بينما إذا كانت للعهد فيكون المعنيون هم الكفّار الذين عاندوا رسول الله وكذبّوه وحاولوا صدّ خلق الله عن اتباع نبيّه، وهم مع قسمهم بأنّهم سيتبعون النذير عندما يأتيهم فقد ازدادوا نفورًا وتكذيبًا عند وجوب إبرائهم لقسمهم، ولكنّ الله توعدّهم بأنّ مكرهم هذا سينقلب ضرًّا عليهم وسيسلط عليهم رسول الله على غفلةٍ منهم كما حصل يوم بدر وفي فتح مكة، فالله تعالى يُدافع عن رسوله وعن المؤمنين.
وجاءت بعض الآثار عن رسول الله تُحذّر من المكر السيئ وتُبيّن أنّه يعود على أهله بالخسران وسوء العاقبة، كما قال محمد بن كعب القرظي: ثلاثٌ من فعلهن لم ينجُ حتّى ينزل به من مكرٍ أو بغي أو نكث، وتصديقها في كتاب الله، {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}، وقوله تعالى في سورة يونس: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم}، وقوله تعالى في سورة الفتح: {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ}.
اقرأ أيضا: معنى آية واصبر وما صبرك إلا بالله
فوائد من آية ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله
اعتنى علماء الإسلام بآيات القرآن عنايةً فائقة وعلى كثرة دراستهم واشتغالهم بها إلّا أنّ كل عالم وكل باحث يتدبّر القرآن ويبحث في أسراره ويُعمل عقله وفكره في فهم الآيات واستنباط الحكم والفوائد منها يجد شيئًا جديدًا ربّما لم يهتدِ إليه غيره من الباحثين والعلماء، ومن هذه الآيات قوله تعالى: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وفيما يأتي بيانٌ لبعض الثمرات المستفادة من هذه الآية الكريمة:
- إنّ عاقبة المكر سوف تعود على الماكر نفسه مهما ظنّ من نفسه الحكمة والذكاء وحُسن التصرّف.
- إنّ إرادة السوء والشر بالمسلمين توقع أصحابها بالهلاك، لأنّ هذا ليس محاربة لأعيان المسلمين فقط بل هو محاربة للإسلام كدين.
- إنّ من الجدير أن لا يخشى المؤمن مكر الماكرين ويشغل نفسه بذلك، فالله هو الذي يتولّى الصالحين ويردّ كيد الكائدين في نحورهم.
- إنّ في الآية تسلية لرسول الله وتهديد للمشركين، وهي جارية مجرى الأمثال والمواعظ والعبر، وهذا من البلاغة العظيمة في لآيات القرآنية.
- إنّ من النواميس الإلهية عودة المكر على أهله لأنّ وقوع مكر الماكرين له تأثير على المعاملات بين العباد وهذا يؤدّي إلى ارتفاع الثقة بين الناس وسعي بعضهم للإيقاع ببعضهم الآخر، وذلك يؤدّي إلى نشر الفساد في الأرض والله لا يحبّ ذلك.
اقرأ أيضا: معنى آية وإذا بدلنا آية مكان آية
